يتطور الإنسان بتطور أحلامه, مشاريعه و مدى تحقيق أهدافه. فهل كل إنسان له أهداف و مشاريع و أحلام يصل إلى ما يريد؟ و هل ما وصل إليه يحقق له توازنا عاطفيا و فكريا و جسميا و اجتماعيا؟
للإجابة عن هاذين السؤالين, بدت لي فكرة تشبيه عمل الإنسان بعمل المقاولة كخطوة عملية لتوضيح أن كل مبادرة تبدأ صغيرة و تكبر كلما كان الاستثمار فيها يواكب درجة تطورها عبر الزمن.
نعلم جيدا أن المقاولة عبارة عن مجموعة من الأفراد أو المؤسسات التي تجتمع لتحقيق هدف اقتصادي أو اجتماعي أو هما معا و كلما كبر الهدف زاد الاستثمار و زادت النتائج و من بين أهم جوانب الاستثمار المقاولاتي نجد الموارد البشرية. فمقاولة غيرت استراتجيتها وبالتالي أهدافها لابد لها من تغيير أنظمتها لمواكبة الأهداف الجديدة و ربما تفويض بعض مهامها الغير الرئيسية لمقاولات أخرى لتركز على قلب مهمتها, و مع تحقيق النتائج يزداد رقم المعاملات و تدخل المقاولة في صيرورة خلق القيمة المضافة المتمثلة في الإنتاج و فق الأهداف المسطرة بعد طرح كل ما من شأنه أن يشكل استهلاكا.
لنفترض أن الإنسان كالمقاولة, يبدأ كمشروع ثم يولد ثم يكبر إلى أن يصبح مؤهلا لأخذ زمام المبادرة عبر أحلامه و أهدافه و مشاريعه. هذا الإنسان لو استحضر أن قيمته المضافة هي عملية إنتاج و استهلاك لتمكن من إخراج نفسه من عنق الزجاجة, زجاجة الأحلام الوردية و الأهداف الجميلة و المشاريع المكتوبة. مع كبر الإنسان تكبر مقاسات ألبسته و تزداد مصاريفه و يزداد علمه و تزداد علاقاته و مع ذلك قيمته المضافة تقل لأن وعيه بالاستثمار ضعيف. فكم سمعنا بمقاولة أفلست و أخرى في طريق الإفلاس و ثالثة تحقق نتائج سلبية و مع ذلك نسمع و نرى مقاولات تعتبر ركيزة الاقتصاد لأن الناتج الوطني الخام ما هو إلا نتيجة مجموع القيم المضافة للمقاولات الناجحة.
فلو انطلق الإنسان و أيقظ الجاهل الذي بداخله لتمكن من طرح أسئلة كفيلة بأن تخرج الإنسان العالم. فمع كبر الإنسان يكبر الاستهلاك الشخصي و لابد أن يزداد الإنتاج الشخصي أيضا, إنتاج الأفكار و المشاعر و إلا فهذا الإنسان مهدد بالإفلاس كالمقاولة التي تستنجد بالمعونات أو تطلب تسهيلات لأنها لم تحقق كنه وجودها ألا و هو الاستثمار.
كنه وجودك أيها الإنسان هو الاستثمار: استثمار القلب و العقل و الجسد في كل ما يمكنه أن يساهم في خلق قيمة مضافة.
لنعد للمقاولة التي ما فتئت تستجيب لطلبات الإنسان من حيث الجودة و الأمان و القوة و حتى الرغبة في التميز و الانفرادية و بدأنا نسمع و نرى مقاولات مسؤولة اجتماعيا و أخرى تحترم البيئة و هذا خير دليل على أن صلب وجود المقاولة هو احترام وجود الإنسان الذي يناضل من أجل هذا المطلب و هو لم يحققه أصلا.
بعض المقاولات أصبحت تستهدف جيب الإنسان سرا و علانية أكثر من استهداف عقله و قلبه و أخرى تتغنى باحترام المعايير الدولية لتقنع الإنسان بالاستهلاك و يتناسى الإنسان أن استهلاكه ما هو إلا ثمرة استثمار المقاولة. و لو تمكن الإنسان من تفعيل عجلة الاستثمار لحل معادلة التوازن التي تتغنى بها بعض المقاولات دون تحقيقها على أرض الواقع.
فلا توازن إذا كانت كفة الاستهلاك راجحة, فالإنسان يظن أن بعض المقاولات تحترم جسده و عقله و قلبه و هو حقيقة يساعدها على توجيه استثمارها أحسن توجيه نحو مزيد من القيمة المضافة حتى أضحت بعض المقاولات تتفنن في إقناع الإنسان بأن منتجاتها تحقق التوازن المنشود و الأدهى أنها تعطل عملية استثماره.
المقاولات تستثمر لتظل حية ترزق و منها من يحقق توازنا بين ما هو مادي و معنوي و اجتماعي و بيئي. مابالك أيها الإنسان تركز على الاستهلاك حتى أهلكت نفسك و جسدك و عقلك و ما أنت بالاستثمار بفاعل. إلى متى ستأكل بشهية الآخرين و مما أنتجوه, إلى متى ستقرأ ما كتبه الأخرون و مما ترجموه, إلى متى ستضحك و تبكي و تحب و تكره فقط لأن أحدا ما في العالم أرادك أن تشاهد أفكاره, أفراحه, حركاته و سكونه؟