fbpx

التطوير الذاتي: من العشوائية إلى الإتقان. الحلقة 11

التعلم من الرواقيين الشجعان (Stoïciens)

ومن المثير للاهتمام أن الفلاسفة الرواقيين أخذوا نظرة عالمية مماثلة عندما يتعلق الأمر بمخاوفهم. اعتقد الرواقيون أن سر السعادة هو الاستعداد لجميع أسوأ النتائج الممكنة والعيش داخل تلك الاحتمالات. لقد ظنوا أن التفاؤل الأعمى كان أحد أسرع الطرق للعيش بنفس بائسة وبخيبة أمل.

فكر في الأمر: إذا كنت تتوقع الأسوأ باستمرار وتحصل على الأفضل، فستجد نفسك تشعر بالدهشة أو أنك تحصل على ما تتوقعه.

أما إذا كنت تتوقع الأفضل باستمرار وتحصل على الأسوأ، فسوف تصاب بخيبة أمل باستمرار. بمعنى آخر، إذا وافقت على حدوث أشياء سلبية وكنت مستعدًا لها، فلا يوجد سبب لعدم المخاطرة.

وهناك جمالية في الأمور التي تسوء. أتعس لحظات حياتنا غنية بالعاطفة لأننا فقدنا خلالها الأشياء التي نهتم بها. و الطريقة الوحيدة لتجنب ذلك هي أن نعيش حياة لطيفة وغير مثيرة. كانت اللحظات التي شعرنا فيها بالخوف من أجل حياتنا هي الأوقات التي تم فيها اختبار جسمنا و نفسيتنا، و كان علينا استخدام ذكائنا وشجاعتنا من أجل البقاء.

لقد أشار الرواقيون إلى أن الأوقات التي من المرجح أن نعلن اشمئزازنا فيها هي الأوقات التي نشعر فيها بالصدمة. على سبيل المثال، لا نبتئس عندما يتساقط المطر، وهذا أمر طبيعي وشيء نتوقعه في أغلب الحالات. نبتئس عندما نحرق يدنا لأننا فوجئنا. إذا كنت تتوقع أن تسوء الأمور، فلن يستطيع أن يضرك شيء. و هذا هو المقصود باليسر بعد العسر.

يا صاحب الهم تفاءل، ويا صاحب المرض تفاءل، ويا صاحب الدين تفاءل، ويا صاحب البلوى تفاءل:
ياصاحب الهم إن الهم منفرج .. أبشر بخـير فــإن الفــارج الله
الله يحدث بعد العـسـر ميسرة .. لا تـجـزعـن فــإن الكـافي الله
اذا بليت فثق بالله وارض بــه .. إن الذي يكشف البلوى هو الله
اليأس يقطع احــيانا بصاحـبه ..   لا تيــأسن فــان الفــارج الله
الله حسبك ممــا عذت منه به .. وأين أمــنع ممــن حســبه الله
والله مالك غير الله مـن أحــد .. فحــسبك الله فـــي كـل لك الله

و آيات التفاؤل في القرآن الكريم كثيرة. اقرؤوا إن شئتم: (سيجعل الله بعد عسر يسرا)، (فإن مع العسر يسرا، إن مع العسر يسرا)، (سيؤتينا الله من فضله ورسوله)، (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب)، (ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا)، (ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا).

وحتى المذنبين يدعوهم ليتفاءلوا بمغفرة الله لهم:  (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله).

التفاؤل فن تصنعه النفوس الواثقة بفرج الله، فمن عرف باب الأمل لا يعرف كلمة المستحيل، ومن عرف حقيقة ربه لم يتوقع إلا الجميل.

تفاءل لتسعد؛ فأنت من يصنع السعادة؛ بالبسمة الحلوة، والكلمة الطيبة، وحسن الظن في الحاضر، وتوقع الخير في المستقبل، وتجديد الإيمان بالقضاء والقدر، مع قلب قانع بالعطاء راض بالقضاء، ومنسجم ومتجاوب مع سنن رب الأرض والسماء، كل ذلك يجعل النفس متفائلة برحمته، مطمئنة إلى قدره، راضية بقضائه وعطائه؛ فلا يرى في الحياة إلا كل ما هو خير.

إذا أصبحت عندي قوت يومي .. .. فخل الهم عني يا سعيد
ولا تخطــر هموم غـــد ببـالي .. .. فإن غدا له رزق جديد
أســلــم إن أراد اللـــه أمــــرا .. .. وأترك ما أريد لما يريد

تفاءل لترى جمال الحياة؛ فإن جمال الحياة لا يراه إلا المتفائلون. فالحياة من دون التفاؤل كاللوحة من دون ألوان، وكالروض من غير زهور.. فغير نظرتك إلى الحياة لتجعل من حاضرك واحة من السعادة، ومن مستقبلك حديقة من اﻷمل، ومن ماضيك بئرا للنسيان ومخزنا للتجارب.

……يتبع……

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *