fbpx

سحر الصمت

نعطي أهمية كبيرة لما نقوله و لا نكثرت كثيرا لكل مالا نقوله, و كل صباح و مساء, نمدح من يتقن لغة الصمت و الإنصات, بل و نعتبر ذلك من المهارات التواصلية أو أجملها.

الدراسات أظهرت أن 80 في المائة من يومنا نقضيه في التواصل مع الآخرين و 50 في المائة من هذا الوقت نخصصه للإنصات لهم.

سؤالان يجب أن نطرحهما, السؤال الأول و هو, هل يمكن اعتبار الصمت كمهارة من المهارات؟ و السؤال الثاني, أذا كان الصمت مهارة, فكيف يمكن أذن أن نبلورها و نظهرها للوجود؟

للإجابة عن السؤال الأول, نذكر بوجود أربع مهارات أساسية مكتسبة منذ الطفولة و قبلها و ليس من غريب الصدف أن الإنصات يعتبر أول مهارة في ترتيب التعلم ة التلقين بالنسبة للأطفال, متبوعا بالكلام, ثم القراءة, ثم الكتابة.

لقد أصغينا جيدا للآبائنا وهم يتحدثون و شاهدناهم و هو يقومون بعدة أعمال دون أن ننبس ببنت شفة, و مع الوقت, تعلمنا الكلام بطريقة تدريجية و تمكنا من التعبير عن حاجاتنا و طموحاتنا تبعا للغة أسرية بسيطة, ثم لغة مجتمعية ووطنية سمعناها بالضرورة.

الجنين في بطن أمه المتعلمة و التي تتواصل بطريقة مستمرة مع محيطها الخارجي, قادر على تذكر آلاف الكلمات, أكبر بكثير كما و كيفا مقارنة مع جنين في نفس الوضعية, لكن في محيط يقل أو ينعدم فيه التواصل مع المحيط الخارجي.

لكي يطور الطفل مهارة الإنصات, لابد لمحيطه أن يتواصل, يمشي, يرسم, يأكل, يجري, يلعب, يقرأ و يكتب, لأن الطفل ينصت لكل ما يحدث أمامه و بصعوبة لكل ما لا يحدث, لكنه ينصت في جميع الأحوال. كلما كان النموذج الذي أمام الطفل في عملية الفعل, كلما فهم الطفل أنه أمام عملية تعلم جديدة, الشيء الذي تتقنه بعض المدارس أو على الأقل تتقنه نظريا, و لهذا, فـأن مهارة الإنصات التي تأتي في مقمة المهارات في مرحلة الطفولة, تتذيل أسفل ترتيب المهارات في المدارس, بعد الكلام, القراءة ثم الكتابة.

بعد التخرج من المدرسة, الراشدون مدعوون الى استخدام المهارات الأربع المذكورة سالفا والمكتسبة منذ الطفولة أو من خلال التعلم في المدرسة, بنسبة 45 في المائة لمهارة الإنصات, و 30 في المائة لمهارة الكلام, و 16 في المائة لمهارة القراءة و 9 في المائة لمهارة الكتابة, يعني أذا أردنا أن نتقن مهارات القراءة و الكتابة و الكلام, يجب علينا أتقان مهارة الإنصات, و عدم اتقاننا لهذه المهارة, يجعل عمليات التواصل بيننا فاشلة دائما أو تكاد تكون كذلك: كثرة الأشاعات تقضي على علاقاتنا, انتشار المعلومات المغلوطة و المسمومة و التي أصبحت تطغى على الأجواء الاجتماعية.

نجري جري الوحوش في البرية من أجل الكلام و الكتابة و القراءة (بالنسبة لمهارة القراءة, نجري جري السلحفاة), متى سنتعلم لغة الإنصات؟

للجواب على السؤال الثاني, يمكن الجزم أن الأشخاص الذين يأخذون مسافة من موضوع ما, و لا يسرعون و لا يتسرعون في الكلام, يعتبرهم المجتمع كحكماء. و يمكن الجزم كذلك أن الحكمة لا يمكن أن تـأخذ إلا انطلاقا من تجارب عديدة و مهارات مختلفة بما فيها مهارة الإنصات. أجدادنا علمونا أنه أذا كان الكلام من فضة, فالسكوت من ذهب, في عصرنا الحالي, يمكن القول أن السكوت منجم من الذهب, فيه العلم و التعلم, فيه السكون و التفكير العميق, فيه الفهم و الاستيعاب.

التجارب بينت أن الإنسان, حتى و هو نائم, فأنه يسمع. يعني أن الحاسة الوحيدة التي لا تنام هي حاسة السمع, أما الحواس الأخرى فهي لا تعمل إما كليا أو جزئيا, و هناك من استغل هذه الخاصية للتعلم المستمر خلال النوم, بتفعيل مهارة السمع, المهارة التي تشتغل 24 ساعة على 24.

ختاما, إذا كان الجسم يتوفر على أذنان, فلتأكيد أهمية الإنصات, أذا نحن أنصتنا فقط لأنفسنا, سنتعلم الكلام الموزون, و القراءة الجيدة و الكتابة الصحيحة.

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *