fbpx

مواكبة الآباء لأبنائهم: بين الضرورة اليومية ورفاهية التفويض

 

في عصر أصبح فيه التكنولوجيا والإنترنت هما الأساس، وسيطرت عليه المادية وجمع القوت، وانشغل فيه الآباء عن أبنائهم مركزين اهتماماتهم في الكثير من الأحيان لأولويات أخرى في قائمتهم، فإننا نجد الآباء قد نسوا رأس القائمة الذي قد يضيع من بين أيديهم؛ رأس القائمة الذي ما إذا أُهمل فسدت الأسرة والمجتمع بأسره لأن الأسرة بكل بساطة هي نواة المجتمع كله. وقد ينتبه الآباء لهذا وقد لا ينتبهون، ولكن أحيانًا يخرج الأمر عن السيطرة حيث تتغير الأدوار و المسؤوليات ويحدث التفويض التربوي الذي يتولى فيه آخرين مهمات صعبة من قبيل تربية و مواكبة الأبناء.

قولنا هذا لا ينافي حقيقة أن مسؤولية التربية لم تعد مقصورة على الآباء وحدهم لتدخل مجموعة من العوامل منها: المدرسة والأصدقاء والتكنولوجيا ووسائل الإعلام والمجتمع، ولكن هل يقف الآباء مكتوفي الأيدي تاركين أمر التربية بين أيدي مجهولة أو لا تتوفر على الكفاءة اللازمة؟ لا، لا يجب أن يكون الأمر كذلك على الإطلاق. صحيح أن هذه العوامل تتداخل مع بعضها لإنتاج طفل سوي وسليم نفسيًا، ولكن في النهاية يجب أن يكون الدور الأول في التربية للبيت ومن ثم مجموعة العوامل الأخرى تحت إشراف دقيق من الآباء حتى لا يحدث خلل بين المنهج التربوي للأبوين وبين المناهج التربوية الأخرى.

وللوقوف على موضوع مواكبة الآباء لأبنائهم ومسألة التفويض التربوي فإننا سنحتاج لمناقشة بعض النقاط المهمة والتي منها على سبيل المثال: تطور شكل الأسرة المغربية وتحدياتها في عصر العولمة والقرن الواحد والعشرين، ونطرح هنا مجموعة من الأسئلة وهي: من يربي الأبناء في عصرنا الحالي؟ ومن المسؤول عن التقصير في تربيتهم؟ وفي حالة حدوث تقصير ،وهو أمر وارد، فما هي نتائج هذا التقصير على الأبناء؟ كل هذا سنتعرف عليه في السطور القادمة محاولةً منا لمعرفة أسباب المشكلة ومن ثم إيجاد حل لها.

في البداية، دعونا نستعرض شكل تطور الأسرة المغربية في السنوات الأخيرة وما طرأ عليها من مجريات

يهمك: أفضل 12 كتاب في الثقافة المالية

لقد ساهمت عولمة القرن الواحد والعشرين ،وبشكل مخيف، على تكوين الأسرة ومن ثم تنشئة الأبناء تنشئة اجتماعية صحيحة، وأثر ذلك سلبًا على الأسر الفقيرة وعلى الأسر المفككة وعلى الأسر الغنية أيضًا، في الكثير من الأحيان بضياع الكثير من القيم والمبادئ وضياع هوية الأفراد وعدم قدرتهم على إثبات ذاتهم، ما أثر سلبًا على ثقتهم بنفسهم ونظرتهم للمجتمع.

حاليًا، انقسمت الأسرة لأكثر من أسرة نووية بعد أن كانت أسرة ممتدة وذلك بسبب الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وغيرها. هذا التحول أثر بالسلب على التنشئة الاجتماعية للأبناء وجعل الآباء منشغلين عن أبنائهم مفوضيين أمرهم في التربية لآخرين لا يدرون شيئًا عن التربية كما يجب أن تكون، فتبدلت الأدوار وضعفت الرقابة وتشابكت العلاقات وتحول الحال لأسوء.

مع كل هذا التطور الكبير الذي شهدته الأسرة المغربية في الفترة الأخيرة، فإنها بالطبع قد واجهت تحديات وصعوبات خاصة مع حدوث تبادل للأدوار في التربية. إذًا السؤال هنا: ما هي التحديات التي تواجهها الأسرة المغربية في عصرنا الحالي؟ وبعد تبادل الأدوار، من أصبح المسؤول عن تربية الأبناء في القرن الواحد والعشرين؟

الإجابة عن هذا السؤال نوجزها في السطور القادمة.

جاءت العولمة بتوابعها الإيجابية والسلبية، ولم يكن الأمر سهلا على الأسرة المغربية وعلى طريقة تربية الوالدين لأبنائهم وعلى الأبناء أنفسهم. تأثر الجميع، وكان التأثر سلبيًا مع الأسف. واجهت ،ومازلت تواجه، الأسرة المغربية تحديات عدة تمثلت في تنوع جهات التنشئة الاجتماعية واختلاف طريقة كل منها في التربية وتعارضها في الكثير من الأحيان مع طريقة تربية الوالدين، وأضف إلى هذا كله انقسام الآباء بين القادر على مواكبة أبنائه ومتابعته وتقويم ما حوله بقدر الإمكان للتأكد من تأثره بما هو صحيح وابتعاده عما عدا ذلك، وبين من عجز عن ذلك تاركًا أمر التربية للآخرين غير الجديرين بهذه المهمة الشاقة التي لا يقدر عليها سوى من هو أُهل لها. ماذا كانت النتيجة؟ كانت النتيجة مساهمة جهات عدة جميعها في التربية والتنشئة الاجتماعية للطفل وتعارض أفكاره وعدم إحساسه بأهميته عند والديه.

الأمر ليس هينًا. تخيل معي أنك كأب تربي ابنك على الطريقة والمنهاج الذي ترتضيه له، ويأتي آخر ويهدم ما قمت به ويربيه ويقومه حسب مِزاجه فتأتي أنت بعد فوات الأوان وبدلا من أن تعزز سلوكياته وتدفعه للقيام بالمزيد، فإنك تأخذ العديد من الخطوات للوراء لتقويم ما أفسده الآخرون.

هنا يطرح هذا السؤال نفسه: (من نلوم في هذه الحالة؟) أو (من هو المسؤول عن التقصير في تربية الأبناء؟)

والإجابة عن هذا السؤال تجعلنا نتطرق لما ذكرناه سابقًا وهو وجود عدة عوامل لها دورها في التربية بالتوازي مع الوالدين. ولكن، على الأب والأم أن يقفا مع أنفسهما وقفة صارمة، ويعترفا بالتقصير إذا كانا مقصرين فعلا ومنشغلين عن أبنائهم والبدء فورًا بحل المشكلة حتى ترجع الأمور إلى نصابها.

ولكن ما هي العوامل التي تؤدي لحدوث المشكلة بالأساس: تفويض تربية الأبناء لمن لا مهارة و لا كفاءة لهم ؟

لكل مشكلة أسبابها، وسواء اتفقنا مع هذه الأسباب أم لم نتفق فإنه يمكننا تلخيص العوامل التي تؤدي لتفويض الوالدين مسألة التربية لغيرهم فيما يلي:

  • الابتعاد عن القيم والأخلاق الحميدة

في الطبقات الغنية أو الفقيرة؛ فنجد في أغلب الطبقات الغنية صراع حول المظاهر و أساليب الترف ونجد في أغلب الطبقات الفقيرة سباق لجلب لقمة العيش يومًا بيوم. في هذه الظروف يقل الاهتمام بالأخلاقيات التي على الوالدين بثها في روح أبنائهم.

  • نتيجة لتربية الوالدين أنفسهم

فنجد الآباء ربوا أبناءهم على ما تربوا عليه في الكثير من الأحيان، بعيدا عن السلوك السليم الصحيح وعدم وعي الأهل بالقدر الكافي لمبادئ التربية وأسسها.

  • عدم تحمل الوالدين للمسؤولية ولامبالاتهم

عدم قدرة الوالدين على تحمل المسؤولية في الوقت الذي أصبح لديهم فيه أطفال وعليهم تنشئتهم تنشئة صحيحة سليمة ويرجع ذلك لأسباب كثيرة قد يكون منها المادي أو المعنوي وغيرها من الظروف، لينصرف الآباء وراء جهات لتنوب عنهم في التربية.

  • جهل الآباء وأميتهم بمخاطر التفويض

لتفويض تربية الأبناء مخاطر سنتعرف عليها بعد قليل، ولكن أحيانًا كثيرة يؤدي تساهل الوالدين وتقليلهم للأثر الناتج عن التفويض لقيامهم بالأمر بكل أريحية دون تخيل البعد الاجتماعي والثقافي والتربوي لذلك على أبنائهم.

  • انشغال الآباء في الأسر الغنية والفقيرة

يعتقد الآباء خطئًا أن كل مهمتهم تكمن في توفير لقمة عيش لأبنائهم وحياة كريمة، ولكنهم ينسون أن أطفالهم قد يعانون فقرًا عاطفيًا ناتج عن انشغال الوالدين وعدم قضائهم الوقت الكافي معهم ما يتسبب في النهاية للتفويض التربوي غير المبرر.

ويؤدي غياب دور المدرسة والمعلم وانتشار الفساد في وسائل التكنولوجيا والإعلام وضياع هيبة الأب وعدم قدرته على فرض سيطرته إلى تدخل العديد من القوى الخارجية في مسألة التربية مانحين بذلك لأنفسهم حق التربية بما لا يتناسب مع أبناء غيرهم.

اقرأ أيضا: سلسلة التطوير الذاتي من العشوائية إلى الإتقان

ماذا إن حصل التقصير بالفعل، فما عساها تكون نتائج هذا التقصير على الأبناء؟

نتائج التقصير والتفويض ليست هينة، ومعرفة الوالدين بها تجعلهم يتجنبوها بقدر الإمكان ويمكن أن تكون كالتالي:

  • الاضطرابات النفسية وتحول القيم الاجتماعية
  • تشتت الأبناء واختلاف معايير الصواب والخطأ لديهم
  • ضعف الأواصر الاجتماعية بين الآباء وأبنائهم
  • وجود خلل في النظام الأسري على المدى الطويل
  • انتشار الفساد بين الأبناء وتفشي بعض الظواهر السلبية، مثل: التشرد والإدمان وتجارة المخدرات.

ما الحل؟

تربية الأبناء واجب على كل أم وأب ارتضوا أن يكون لديهم أبناء، وتفويض تربية الأبناء لآخرين خطأ لا يُغتفر فلا أحد يمكن أن ينوب عن تربية الأبناء غير الوالدين، ولكن إذا ما حدث هذا وإذا ما وقع الآباء في فخ تفويض تربية أبنائهم كيف سيكون الحل؟

على الآباء البدء بهذه الخطوات البسيطة والتي تشمل ما يلي:

  • مساعدة الأهل للآباء حسب الاستطاعة لوقف هذه المهزلة
  • تنظيم الآباء لأولوياتهم واضعين أبناءهم على رأس القائمة
  • تقسيم مسؤولية التربية بين الوالدين بما يتناسب مع ظروف حياتهم وعمل كل منهم
  • قضاء أكبر وقت ممكن مع الأبناء لمساعدتهم في التكيف على الوضع الجديد
  • الاهتمام بتنشئة الأطفال تنشئة صحيحة لتعويض ما فاتهم وتقويم ما يجب تقويمه
  • متابعة الأبناء باستمرار بشكل مباشر تارة وغير مباشر تارة أخرى
  • على الوالدين أن يعبرا عن مشاعر الحب والحنان لأبنائهم وإخبارهم بحبهما لهم وأنهما دائما معهم.

كل هذا ،تدريجيًا، بإمكانه تخفيف الأثر الذي أحدثه التفويض بل وعلاجه مع مرور الوقت. وعلى الوالدين ألا يهملا الأمر حتى لا يرجعا إلى نقطة الصفر والبدء من جديد، ولكن هذه المرة قد يفقد الوالدان ثقتهما في أبنائهم لأنهما عهدا لهم عهدًا ونقضوه.

حاولوا ألا تصلوا لهذه النقطة وكونوا جديرين بالمسؤولية التي وهبها الله لكم وبالثقة التي يمنحها لكم أبناؤكم كل يوم.

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *