(التغيير سنة الحياة) و(دوام الحال من المحال) كلها أقوال تؤكد حتمية التغيير في الحياة وحتمية تقبل الناس لهذا التغيير، وحديثنا اليوم سيكون عن التغيير الإيجابي لا السلبي الذي يقوم به الطفل والشاب والرجل الكبير أملا في الأفضل لنفسهم أو لمن حولهم أو لمجتمعهم. كل منا له دوافعه للتغيير، كما ويختار هذا التغيير طبقًا للوقت المناسب له وبالكيفية التي يراها الأفضل.
التغيير الإيجابي ليست مسألة سهلة؛ لأنها تحتاج لوقت ومجهود وإرادة وعزيمة وإحساس صادق بالتغيير، ولكنها بالطبع ليست مستحيلة، مثلها مثل أي شيء في هذه الحياة.
يبدأ الفرد بتغيير حاجاته الدنيا ليصل لأعلى مراتب التغيير العليا حتى يرقى بنفسه وتسمو روحه ليشعر بأنه إنسان مميز ومختلف عما كان من قبل وعن أقرانه والمحيطين به، ما ينعكس عليه في النهاية بشعور رائع يدفعه للعمل والإنجاز وجذب كل ما هو إيجابي والابتعاد عن كل ما هو سلبي، بل والسعى لتقديم أفضل ما لديه وإحراز أهداف أعلى في التغيير الإيجابي.
وتطبيقًا لمقولة: (إذا أردت تغيير العالم، فابدأ بنفسك وكن أنت التغيير الذي تريده) فإننا سنتحدث عن موضوع الحاجات البشرية والتغيير الإيجابي بداية من سبب حاجتنا للتغيير بالأساس، ومراحل التغيير الإيجابي، وأعلى مراحله وأسماها حتى الوصول لمعوقات التغيير الإيجابي التي علينا تجنبها للوصول للتغيير الذي نريده.
ألف باء في التغيير
استكمالا لما تحدثنا عنه في مقدمتنا عن التغيير، فإننا نود وضع النقط على الحروف في بعض الجوانب المتعلقة بالتغيير.
علينا أن نعي جيدًا أن التغيير قد يكون إيجابيًا وقد يكون سلبيًا وقد يكون نابعًا من إرادة الإنسان الحرة وقد يكون نتيجةً لضغوطات وظروف معينة؛ فتحول الحال لأخرى يعد تغييرًا ولكن تحولها لواحدة أفضل لهو التغيير الإيجابي أو ما نسميه ب(التطوير).
إذا أردت إحداث التغيير في أي شيء، عليك أن تفشل أولا! نعم، هذا صحيح. إن طريق التغيير الإيجابي يبدأ بالفشل والإحباط سواء من نفسك أو من حولك.
تقبل الفشل وحاول من جديد واعلم جيدًا أنك بهذا تكون على الطريق الصحيح.
لا تتوقع حدوث التغيير في يوم وليلة؛ فكل شيء في هذه الحياة يحتاج إلى صبر ومرونة وما نفذته في سنين وما تعودت عليه لفترات طويلة لن يتغير بين عشية وضحاها، واتبع سياسة النفس الطويل في طريقك للتغيير الإيجابي.
هل نحن بحاجة حقًا للتغيير الإيجابي؟
نعم، نحن جميعًا صغارًا كنا أم كبارًا، رجالا كنا أم نساء بحاجة للتغيير الإيجابي. لكل منا أسبابه للتغيير الإيجابي، ولكن في نفس الوقت فهناك أسباب عامة يشترك فيها جميع الناس في رغبتهم في إحداث التغيير، ويمكننا إيجاز هذه الأسباب فيما يلي:
- لتحقيق الحاجات البشرية
وفقًا لهرم ماسلو للحاجات البشرية، فإن تلك الحاجات مُرتبة ولكل منها دوافع تحركها؛ فيبدأ الهرم بالحاجات الفسيولوجية ثم بحاجات الأمان والحاجات الاجتماعية والحاجة للتقدير والحاجة لإثبات الذات. التغيير الإيجابي يساعد الإنسان في إشباع هذه الحاجات ما يؤدي في النهاية إلى تحقيق الكماليات وشعور الإنسان بأنه حقق ما هو مطلوب منه في هذه الحياة:
- لإرضاء الله عز وجل
في كتابه العزيز قال الله سبحانه وتعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ) [الرعد:11]؛ فالله –عز وجل- أمرنا بالتغيير وأمرنا بأن يكون التغيير نابعًا من أنفسنا حتى يكون تغييرًا حقيقيًا.
- للوصول إلى غاية أو هدف
التغيير وسيلة للوصول إلى غاية معينة يحددها صاحب هذا التغيير، وسواء كان التغيير في نفسه أو في علاقاته أو في عاداته فهو من أجل الوصول لحال أفضل في النهاية ورسم ملامح مستقبل مشرق.
- لمواجهة مشكلات أو صعوبات معينة
والرغبة في تحديها والتخلص منها لتحقيق السلام النفسي الذي يستطيع بعده الفرد إنجاز المهام والاستمتاع بالحياة والتخلص مما يؤرقه.
- لتغيير الروتين وتجديد الحياة
الحياة ليست على وتيرة واحدة هي الأخرى، وكل يوم ونحن معها في شأن؛ لذلك أحيانًا كثيرة يتسلل الملل إلى حياتنا ولعملنا ولأنفسنا أيضًا. بالتغيير وعدم الرضا بما هو قائم تتبدل الأحوال ويصبح الوضع أفضل طالما وُجدت الرغبة الصادقة في التغيير.
- لاستغلال طاقات ومهارات مهدرة
أحيانًا كثيرة يشعر الإنسان أن لديه إمكانات رائعة في مجال ما، ولكن كسله وعدم سعيه في تطوير ذاته واكتشاف نفسه في هذه المهارة يجعله يتراخى ويهدر هذه المهارات. عند إيمان الشخص بأنه بحاجة لاستغلال هذه المهارات وإفادة نفسه ومجتمعه, بها يصبح الأمر مختلفًا ويشعر بالإنجاز وعندها يستطيع تذوق طعم التغيير الرائع.
وبعد أن تعرفنا على أسباب التغيير وحاجتنا إليه، دعونا نتعرف على المراحل التي يجب أن يمر بها كل شخص لتحقيق التغيير الإيجابي ولتنفيذ ما يصبو إليه.
ما هي مراحل التغيير الإيجابي؟
التغيير الإيجابي ليس عملية عشوائية أو غير منظمة، بل إنها تحتاج إلى التخطيط والتنظيم لكي نستطيع بعدها الحصول على أفضل النتائج وحتى لا تضيع جهودنا عبثًا. وفي السطور القادمة سنستعرض مراحل التغيير الإيجابي، والتي تبدأ ب:
- الوقوف مع النفس لتحديد ماهيتها ومشكلاتها
أول مراحل التغيير الإيجابي تتمثل في البدء فيه ومصارحة النفس وتحديد ما الذي تريد تغييره بالضبط. لا تكذب على نفسك ولا تجاملها، وبالمناسبة هذا ليس بالأمر الهين، ولكن عليك أن تكون شجاعًا وسترى النتائج التي ستبهرك.
- الرغبة الصادقة في التغيير
يجب أن يكون التغيير نابعًا من ذاتك ومن نفسك لأنك إذا تغيرت لأجل أحد أو لشيء فإنه سيكون تغييرًا مؤقتًا لا محالة ولن يدوم طويلا. يجب أن يكون تغييرك الإيجابي صادقًا شاملا مستمرًا منتظمًا وابتعد عن التسويف في قرارك نحو التغيير.
- تطبيق التغيير المناسب لك
ولقدراتك وإمكاناتك. لا تتبع طريق أحد في التغيير؛ فما يناسب غيرك قد لا يناسبك لأنه ببساطة لكل منكما ظروفه وحياته.
- البدء بتغيير النفس
تغييرك للعالم يبدأ من تغييرك الداخلي. لا ترهق نفسك بتغيير ما حولك، وذاتك في البداية تحتاج لهذا التغيير. ارفق بنفسك وضمها لأولوياتك في التغيير لأنك فعلا تحتاج لذلك.
- تحديد النطاقات التي تريد إحداث التغيير فيها وترتيب أولوياتك في التغيير
ماذا تريد أن تغير بالظبط؟ لا تجعل الموضوع عامًا بل قسمه إلى نطاقات: نطاق الدين مثلا وعلاقتك بربك، نطاق العلاقات الأسرية والزوجية والأبناء مثلا، نطاق العمل، نطاق العلاقات مع الأصدقاء، ونطاق العادات التي تريد اكتسابها والأخرى التي تريد الإقلاع عنها. وبعد تحديد نطاقات التغيير، رتب أولوياتك في التغيير بادئًا بأهم نطاق تريد تغييره أو الذي تحتاج تغييره بشكل عاجل.
- فشلت سبلك للتغيير؟ لا عليك
وأنت في طريقك للتغيير ستتعثر في خطواتك، ولكن دع عنك هذا وأكمل طريقك وإن كنت قد جربت سبيلا للتغيير ولكنه لم يؤتي ثماره، فليس هناك أدنى مانع أن تحاول تغيير المسار وتبدأ من جديد.
- وأخيرًا، قيم نفسك ووضعك الحالي لمقارنة الجديد بالقديم ولمعرفة نقاط قوتك وضعفك ولتقويم ما يجب تقويمه.
وبالحديث عن مراحل التغيير الإيجابي، يمكننا ذكر أن أعلى مراحل التغيير الإيجابي وأسماها هي التغيير الروحي والنفسي الذي يرقى بصاحبه ويجعله يحول المحن لمنح ويرضى بقضاء الله حتى وإن لم يكن على هواه، بالإضافة للتغيير الذي يستهدف الحاجات البشرية سواء كان:
- التغيير الاجتماعي
الذي يركز فيه الفرد على علاقاته مع المحيطيين به، كما ويحرص على إقامة علاقات اجتماعية وطيدة مع المحيطيين به.
- التغيير للوصول للتقدير
وهنا يسعى الفرد لتحقيق مكانة اجتماعية مرموقة، ويحرص على احترام الآخرين له ما يجعله يشعر بالثقة والقوة. ومن ضمن العوامل التي تساعد الفرد في تقديره لنفسه: النجاح والسمعة الطيبة والعلاقات الطيبة مع الناس.
- التغيير لتحقيق الذات
تحقيق الذات هو هدف كل فرد فينا في هذه الحياة، وعند وصول الفرد له فإنه يشعر بسعادة عارمة وإحساس لا يُوصف، ويمكن للفرد تحقيق ذاته باستخدام مهاراته وإمكاناته لتحقيق أكبر قدر من الإنجارات لما هو صالح له ولمجتمعه.
الآن يأتي الدور للحديث عن معوقات التغيير الإيجابي التي يجب على كل فرد منا أخذ الحيطة منها وتجنبها قدر الإمكان. من الطبيعي جدًا أن تصادف هذه المعوقات، ولكن واجبك ألا تقف أمامها مكتوف الأيدي بل اسع لتغيير الوضع وهذا يبدأ بمعرفتها، وتشتمل معوقات التغيير على ما يلي:
- الخوف من الفشل
دائمًا ما تعترينا فكرة الخوف من الفشل في بداية أي أمر جديد، ولكن عليك أن تكون شجاعًا وتتغلب على هذا الفشل قدر الإمكان لبدء رحلتك للتغيير.
- الخوف من المجهول
نعم، هذا صحيح بطبيعة الحال، فالإنسان عدو ما يجهل وخوفه من نتائج التغيير غير المتوقعه تجعله أحيانًا يفضل الابتعاد وإبقاء الوضع كما هو عليه.
- الكسل
ضعف النفس الإنسانية وعدم القدرة على مغالبة الهوى تكون في كثير من الأحيان أحد أهم العوامل التي تعيق طريقك للتغيير.
- الكلمات السلبية
سواء أكانت صادرة من نفسك أو من حولك لها أثرها البالغ في التأثير بالسلب عليك وإعاقة محاولاتك للتغيير. حاول تشجيع نفسك دائمًا وتعزيز السلوكيات الصحيحة التي تسلكها في طريقك للتغيير.
- بعض العوامل الأخرى
والتي تتمثل في: الحيرة والقلق والتشتت والتردد كلها كفيلة بأن تكون عائقًا حقيقًا وحائطًا منيعًا يحول دون وصولك للتغيير الحقيقي. بالصبر والإرادة القوية تستطيع التغلب على هذه العوامل وإثبات قدرتك على تحقيق التغيير الإيجابي.
إن قرار اليوم مصير الغد، وقرارك الذي تتخذه اليوم نحو التغيير الإيجابي يجب أن يبدأ الآن وبالغد ستجني ثماره وستشعر بلذة الانتصار على نفسك وعلى كل المعوقات التي مررت بها وواجهتها لكي تصل لوجهتك المطلوبة.