ظاهرة العنف المدرسي ظاهرة عالمية منتشرة في كل المراحل التعليمية، ونراها الآن قد انتشرت وتفشت بل وتطورت كمًا وكيفًا مؤدية لأنواع مختلفة من الأذى، منها: النفسي والجسدي والمادي. وهي ظاهرة حديثة العهد، لم يشهدها آباؤنا وأجدادنا من قبل في مدارسهم وتعليمهم كما يشهدها الكثير من أبناء المدارس اليوم. وهذا الأمر ليس شيئًا غريبًا أو من قبيل الصدفة، ولكنه نتيجة طبيعية للظواهر التي يشهدها المجتمع حاليًا.
وهذه الظواهر المختلفة التي يشهدها المجتمع لها أثرها السلبي على أبنائه، و من ثم تتطلب مواجهة وحزم من قِبل الوالدين لمحاولة القضاء على أثر هذه الظواهر أو تخفيف حِدتها.
في سالف العهد، كانت تربية الأبناء أمرًا بسيطًا حيث كان الوالدان يربيان أبناءهم بالفطرة فلم يعانيا من صعوبة أو مشكلات في تربية الأبناء كتلك التي يعانيها الآباء الآن. كان الوالدان أقصى مشاكلهم تتلخص في توفير القوت لأبنائهم، كما كانوا يكرسون وقتهم لتربية أبنائهم وبالتالي كانت مشكلات التربية بسيطة وغير معقدة وكان الأبناء ينعمون بسلام داخلي وسط جو أسري جميل يملؤه الحب والمودة.
اليوم، اختلف الوضع كثيرًا عما كان عليه من قبل. نحن الآن في عصر التكنولوجيا وعصر السرعة، عصر المادية والصناعة، عصر يتسارع فيه الكبار والصغار للعيش بهدوء وسلام ويا ليتهم يستطيعون تحقيق ذلك برغم كل التحديات والصعوبات التي يواجهوها!
انشعال الوالدين عن أبنائهم وعدم قضائهم وقت معهم للتسامر والسؤال عنهم وعن أحوالهم، وترك أمر التربية لوسائل التكنولوجيا من تلفاز وأجهزة محمولة وغيرها، بالإضافة إلى أصدقاء السوء والشارع, كلها أمور ساهمت بشكل أو بآخر في تربية الأبناء على النحو غير المحمود وهدم اللبنة التي يبنيها الوالدان.
على الوالدين أن يعيا جيدًا خطورة هذه النقطة على أبنائهم؛ فلم يعد الوالدان يربيا أطفالهم بأنفسهم ة بطريقتهم فقط ولكن تدخلت الكثير من العوامل الأخرى التي تساهم في تربية أطفالنا بالتوازي مع تربيتنا لهم.
في القرن الحادي والعشرين، يكد الوالدان في العمل لتوفير سبل معيشة أفضل لأبنائهم ظانين أنهم بذلك قد فعلوا واجبهم الكامل تجاههم، ولكن للأسف دعني أخبرك عزيزي الأب وعزيزتي الأم أن هذا ليس كافيا على الإطلاق! ولكن بالرغم من هذا كله، فعلينا أن نعترف بأن لكل مشكلة حل، وبداية الحل تكمن في معرفة أسباب المشكلة لمحاولة القضاء عليها وتعريف المشكلة من الأساس.
أولا: ما هو العنف المدرسي؟
هو سلوك عدائي يظهر في سلوك المعلم نحو طلابه والعكس صحيح، كما يمكننا أن نجد العنف المدرسي متجليا في سلوك التلاميذ و الطلبة تجاه بعضهم البعض، وبالتالي يؤثر العنف المدرسي سلبًا مسببًا الأذى للمعلمين والتلاميذ وممتلكات المؤسسة أيضا.
بعدها نستطيع ملاحظة الأثر السلبي للعنف المدرسي في سلوك الأبناء, ما يؤدي بالتبعية لتمرده على أهله ومعلميه والمؤسسة التربوية التي ينتمي إليها، وينتج عنه أيضًا تزايد المشاجرات وتخريب الممتلكات خاصة كانت أم عامة والتعدي على المرافق وقد يصل الأمر أحيانًا لما هو أسوء مثل التعاطي للمخدرات أو التدخين.
ثانيًا: العنف المدرسي… مسؤولية من؟
ليس العنف المدرسي وليد اللحظة كما ذكرنا سابقًا، ولكل شيء في هذه الحياة سببه وكذلك الحال بالنسبة للعنف المدرسي. ويمكننا تلخيص أسباب العنف المدرسي فيما يلي:
- المعلم
سوء معاملة المعلم لتلامذته وتهاونه في علاقته معهم وضياع مساحة الاحترام وانتهاء هيبة المعلم, كلها أمور ساهم فيها المعلم بتخليه عن دوره التربوي و فتح المجال للتلاميذ للاتجاه للعنف المدرسي. دور المعلم كبير جدا و ناكر للجميل من استصغر دوره, بل يعتبر المعلم ركيزة من ركائز المجتمع و فاقد للبوصلة من تجاهل تلك الفئة القليلة التي أساءت لمهنة المعلم. - المدرسة
العنف المدرسي ليس مسؤولية الوالدين وحدهم، ولكن ضعف البيئة التعليمية وافتقارها للمرافق المناسبة، وعدم قدرة المؤسسة التعليمية على تلبية حاجات التلاميذ و الطلبة فضلا عن نقص الخبرة فيما يتعلق بالأساليب الحديثة التي لابد من توافرها للتعامل بشكل سليم تجاه التلاميذ و الطلبة, كلها أسباب أدت ﺇﻟﻰ العنف المدرسي, بحيث أن الأبناء قديما كانوا يجدون فضاءات شاسعة لتفجير طاقاتهم و اللعب, لما كانت تتوفر عليه جل المؤسسات من مرافق و ملاعب. أما الآن, فأغلب المؤسسات تفتقر لهذه المرافق و بالتالي تشهد الأقسام كل مظاهر اللعب ة العنف ة تفريغ للطاقات.
- الوالدين
إهمال الوالدين لأبنائهم، وعدم متابعتهم بالشكل الكافي وعدم الاكتراث لأحوالهم السلوكية والتعليمية ومستواهم يؤدي بلا شك للعنف المدرسي، بالإضافة لهذا كله فإن محاولة الوالدين المستمرة للابتعاد عن مواكبة أبنائهم بالشكل السليم وإثبات دائمًا أنهم على صواب والتدليل الدائم لهم يؤدي لظهور ظاهر العنف المدرسي. وهنا يمكننا أن نلخص ما سبق في قولنا أن تربية الأبناء تربية خاطئة أمر لا يُستهان به لأنه يؤدي لعواقب وخيمة منها: العنف المدرسي.
- عوامل أخرى، منها:
- فشل الأبناء بشكل متكرر وإحباطاتهم المستمرة
- رغبة الأبناء في إثبات ذاتهم ،بصرف النظر عن الطريقة، ورغبتهم في فرض السيطرة ولفت الأنظار
- الاضطرابات النفسية عند الأبناء
- غياب مراقبة الوالدين والاضطرابات الأسرية وعدم الاستقرار واستمرارية المشكلات الأسرية
- تفريق بعض الآباء في المعاملة بين الآباء، وتدليل الكثير منهم لهم
- الظروف المجتمعية المحيطة؛ فنجد انتشار العنف المدرسي في المجتمعات التي ينتشر فيها العنف بشكل مباشر أو غير مباشر. فقد تجد العنف أمرًا عاديًا ومنتشرًا في وسائل الاعلام وإعلاناته وفي الأفلام والبرامج والمسلسلات. كل ذلك يرسخ مبدأ العنف بشكل عام والعنف المدرسي بشكل خاص في العقل اللاواعي للأبناء
- البطالة والفقر والفساد كلها أمور ينتج عنها العنف المدرسي
- الغيرة والتنافس العلمي بين الطلاب بعضهم البعض يؤدي لا محالة لتفشي العنف المدرسي.
وأخيرًا هل ينجح الآباء في في إنقاذ أبنائهم من ظاهرة العنف المدرسي؟
نعم، بإمكان الآباء التقليل من ظاهرة العنف المدرسة باتباع مجموعة من الارشادات البسيطة التي لها الأثر الايجابي في التقليل من العنف المدرسي، وهي كالتالي:
- مرافقة الآباء لأبنائهم لها أثرها الواضح في التقليل من ظاهرة العنف المدرسي، وبالتدريج تنتهي هذه الظاهرة
- على الآباء تحديد الفروق الفردية لأبنائهم والتعامل معها بشكل سليم
- ينبغي على الوالدين دراسة الأساليب الحديثة في التربية والاستراتيجيات الفعالة لتنفيذها لمواجهة العنف المدرسي
- تعزيز القيم الدينية والأخلاقية عند الأبناء وتوجيهها نحو المسار السليم، وغرس القيم النبيلة والمبادئ الصالحة في نفوس الأبناء و تشجيع القيم الجميلة مثل: التسامح والإيثار وحب الغير والرفق
- الحرص على خلق روح الحوار مع الأبناء وتشجيعم على اتباع نفس السلوك
- متابعة الوالدين لأبنائهم باستمرار ومراقبة سلوكياتهم وتنفيذ مبدأ الثواب والعقاب بما يتناسب مع السلوك المناسب
- الاهتمام بنفسية الأبناء، ويتأتى ذلك بضرورة توفير جو أسري مستقر خالي من المشاكل والاضطرابات الأسرية قدر الإمكان
- توجيه غضب الأطفال وسلوكهم العنيف ،في بعض الأحيان، نحو رياضة معينة يستطيعون فيها تفريغ الطاقة السلبية من غضب وعنف وخلافه.
ختامًا نقول أنه على الآباء وكل المهتمين بظاهرة العنف المدرسي تكثيف الجهود والاتحاد لمواجهة هذه الظاهرة التي تريد التهام أبنائنا: ظاهرة العنف المدرسي، وعلينا أيضًا أن نعي جيدًا أن المسؤولية تقع على كاهلنا جميعًا لا على طرف بحد ذاته ومعرفة ذلك يدفعنا للتعاون للتقليل بل والقضاء على العنف المدرسي بكل أشكاله.
السر في ظاهرة العنف المدرسي
غياب دور الأسرة أو خلل في تربية الأبناء.